السؤال
يقول
الله تعالى" وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل
فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء .."البقرة30 .. من المعني بقول الملائكة
بمن يعلمونه عن جنس من الخلق أفسد في الأرض وسفك الدماء؟ هل عن بشر سكنوا
الأرض قبل آدم؟ وإن كان ذلك .. فهل في خلق آدم بعد أقوام مثله من البشر
سبقوه ما يستحق أن يعلنه الله سبحانه لملائكته في معرض التبجيل والإشادة؟
وأي ميزة تدعوا للحفاوة بهذا المخلوق(آدم) والتمهيد له قبل ظهوره إن كان
سيخلف بشرا لهم نفس خصائصه؟ وإن كان المقصود بمن سبق آدم جناً ..فلا دماء
لها تسفك كالإنسان..وإن كان ملائكة.. فهي ذوات نورانية لاتعرف الفساد ولا
سفك الدماء..
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً:
ذكر المفسرون أوجها في بيان قوله تعالى: ( وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل
في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح
بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ) [البقرة: 30].
الوجه الأول:
أن الملائكة قالت ذلك بعد إعلام الله تعالى لهم بطبيعة ذرية آدم عليه
السلام، وأنهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، وهذا مروي عن ابن عباس وابن
مسعود وقتادة وابن جريج وابن زيد وغيرهم كما نقل ذلك القرطبي وابن كثير،
فعن ابن عباس وابن مسعود أن الله تعالى قال للملائكة: إني جاعل في الأرض
خليفة، قالوا ربنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في
الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضاً.
وقال قتادة: كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فلذلك قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها.
الوجه
الثاني: أنهم لما سمعوا لفظ :خلفية، فهموا أن في بني آدم من يفسد إذ
الخليفة المقصود منه الإصلاح وترك الفساد، والفصل بين الناس فيما يقع بينهم
من المظالم ويردعهم عن المحارم والمآثم.
الوجه الثالث: ما نقله القرطبي
رحمه الله وغيره أن الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم
الدماء، وذلك لأن الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم فأفسدوا وسفكوا الدماء.
فبعث
الله إليهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، ثم خلق
الله آدم فأسكنه إياها. وهذا مروي عن ابن عباس وأبي العالية.
وما ذكره
السائل من أن الجن ليس لها دماء تسفك ليس صحيحاً فإن الجن تأكل وتشرب
وتنكح وفيها الرطوبة والبرودة، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد في
المسند: قال صلى الله عليه وسلم: " مر علي الشيطان فأخذته فخنقته حتى إني
لأجد برد لسانه في يدي فقال: أوجعتني أوجعتني ". وكون الجن خلقت من نار لا
يمنع ذلك، فإن الإنسان خلق من تراب وفيه اللحم والدم والرطوبة وغيرها.
فهذه أشهر الأوجه التي ذكر المفسرون في هذه الآية الكريمة.
وليعلم
أن قول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله، وإنما هو كما قال ابن
كثير رحمه الله: سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، يقولون: ياربنا
ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فإن كان
المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي: نصلي لك، ولا يصدر منا شيء
من ذلك، وهلا وقع الاقتصار علينا؟
قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا
السؤال: ( إني أعلم ما لا تعلمون ) أي أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا
الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم، فإني سأجعل فيهم
الأنبياء وأرسل فيهم الرسل، ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون
والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء العاملون والخاشعون
له والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم.
انتهى كلام ابن كثير.
رقم الفتوى: 1099
مختارات من تفسير الآيات